من الصعب اليوم الحديث عن حياة جميلة مريحة خالية من الألم نظرا للضغوط اليومية المحيطة بنا، كما أنه من المستحيل انتظار ظروف مثالية للاستمتاع برحلة الحياة القصيرة وبين هذا وذاك يظل الاختيار، أن نعيش لحظات عمرنا أو نتوهم العيش مع أننا نموت ببطء.
السنة الماضية، احتل المغرب المرتبة 99 في مؤشر السعادة العالمي من بين 158 دولة في تقرير صادر عن الامم المتحدة بالتعاون مع معهد الارض بجامعة كولومبيا الامريكية. وبعيدا عن لغة الأرقام، ومن خلال دردشات قصيرة نلمس أن كثيرا من الأحياء يحترقون نفسيا، توقفوا عن البحث عن مفهوم للسعادة ليتركوا مصيرهم للقدر.
الظروف الاجتماعية وتقلبات الحياة قد لا تكون السبب الوحيد وراء انكفاء الأمل لدى البعض، فهناك من اختار سعادة المحيط بدل سعادته الذاتية والخيار هنا قد يكون قسرا أو طواعية. هناك من تخلى عن حلمه استجابة لقواعد المجتمع الذي نرزح تحت ثقل رواسبه، مجتمع أراده ” ماركة” تقليدية بمعايير محددة وعدم المطابقة يعني ضربا من عدم التوازن.
الأمثلة هنا كثيرة، من تزوجت إرضاء لضغط المحيط وسدا لأفواه “علاش وكيفاش؟” ومن سارع بقبول أول وظيفة خوفا من غضب الأهل، ومن نهج نمطا معينا للعيش خوفا من “العيب والحشومة”، المهم جميعهم وضعوا أنفسهم في قوالب معينة تجمدوا داخلها وتجمدت معها طموحاتهم.
حين تفقد العقول القدرة على الاختيار، تندفع كالقطيع ومع مرور الوقت تستحلي منطق التبعية، فترفض الخروج عن المألوف بل تخاف أصلا من الاختلاف. فينتج المجتمع ذوات مسلوبة الأهداف تعتبر واقعها مصيرا محتوما، وترغب في كل شيء عدا التغيير.
ذوات قد تحب كل شيء لكنها تكره نفسها، تكره عملها وتنفث غضبها على المحيط! كيف لمن رمت به الأقدار في إحدى مراكز تكوين المعلمين “حيت ما لقا ما يدير وخاصو يدفع لكل شييء بغض النظر عن ميولاته”، أن يستمتع بلحظات حياته وهو يدرس بإحدى الفرعيات المنصوبة في أعلى نقطة من الأرض ويعتبر مسبقا أنها سنوات تجنيد فرضت عليه قسرا. مهما تعددت آماله ينحصر طموحه في حركة انتقالية ترمي به مجددا قرب ذويه!
السعادة لا تأتي اعتباطا ولا تبحث عمن يرفضها أساسا ولا تتوقف أبدا على الحظ! دورة الحياة لا تتوقف في انتظار ظروف قيل عنها مثالية… من حق الأبناء أن يعيشوا في كنف آباء سعداء ومن حق أطفال أن يلجوا أقساما يسيرها شخص سعيد.
كثيرا ما خلت نفسي واقفة أمام فاعل خير أستجديه صدقة وأنا القاصدة إدارة عمومية يفترض أن تكون في خدمتي. المشهد يتكرر كل مرة، موظف ساخط قابع في مكتب بئيس يلعن القدر ويندب الحظ مع أنه اعتبر محظوظا في وقت سابق حين وظف “مباشرة” دون أن يجري مقابلة أو يحتج أمام البرلمان!
البعض لديه كل الأسباب ليكون سعيدا لكن يتلذذ بتوهم الإحساس بالظلم والقهر، نحن شعب لا نبتسم بشكل عفوي، قد نكبت مشاعرنا لنفجرها بشكل هستيري ونحن نجتمع حول سيتكوم تافه.